فصل: (سورة الأعراف: الآيات 4- 7)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأعراف: آية 206]

{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)}.

.الإعراب:

{إنّ الذين} مرّ إعرابها، {عند} ظرف منصوب متعلّق بمحذوف صلة الموصول رب مضاف إليه مجرور والكاف ضمير مضاف إليه في محلّ جرّ {لا} حرف نفي {يستكبرون} مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون.. والواو فاعل عن عبادة جارّ ومجرور متعلّق بـ {يستكبرون}، والهاء ضمير مضاف إليه الواو عاطفة {يسبّحون} مثل يستكبرون والهاء ضمير مفعول به الواو عاطفة اللام حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ {يسجدون} وهو مثل يستكبرون.
جملة: {إنّ الذين...} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {لا يستكبرون...} في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: {يسبّحونه} في محلّ رفع معطوفة على جملة لا يستكبرون.
وجملة: {يسجدون} في محلّ رفع معطوفة على جملة لا يستكبرون. اهـ.

.قال محيي الدين الدرويش:

سورة الأعراف مكيّة وآياتها ستّ ومائتان.

.[سورة الأعراف: الآيات 1- 3]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{المص (1) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (3)}.

.اللغة:

{المص}: تقدم القول مفصلا في سورة البقرة عن فواتح السّور، ونضيف إليه الآن ما أورده السيوطي في إحدى رواياته، ومؤدّاه أن هذه الحروف صوت الوحي عند أول نزوله على النبي صلى اللّه عليه وسلم، وإنما لم يستعمل الكلمات المشهورة في التنبيه كألا وأما، لأنها من الألفاظ التي يتعارفها الناس في كلامهم، والقرآن كلام لا يشبه الكلام، فناسب أن يؤتى فيه بألفاظ تنبيه لم تعهد، لتكون أبلغ في قرع الأسماع. وذكر أيضا أن العرب إذا سمعوا القرآن لغوا فيه، فأنزل اللّه هذا النظم البديع ليعجبوا منه، ويكون تعجبهم منه سبيلا لاستمالتهم، وسماعهم له سبيلا لاستماع ما بعده فترقّ القلوب، وتلين الأفئدة. وفي هذا الذي أورده السيوطي الكثير من الحصافة، ودقة النظر، فالنفس إلى المعجب أهشّ، وإلى المفاجئ غير المألوف المعتاد أشوق.

.الإعراب:

{المص كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ}: المص:
تقدم إعراب فواتح السور في سورة البقرة، فجدّد به عهدا. وكتاب خبر لمبتدأ محذوف، أي: هو كتاب، وجملة أنزل إليك صفة لكتاب، وإليك جار ومجرور متعلقان بأنزل، والفاء عاطفة لتأكيد المبالغة في النهي عن الجرح، وهو هنا الشك والامتراء، والنهي عن السبب نهي عن المسبب بالطريق البرهاني، فالمراد نهيه عما يورث الحرج. ولا ناهية، ويكن فعل مضارع مجزوم بلا، وفي صدرك جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر يكن المقدم، وحرج اسمها المؤخر، ومنه جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لحرج، فمن الجارة سببية {لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ} اللام للتعليل، وتنذر فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والجار والمجرور متعلقان بأنزل، وبه جار ومجرور متعلقان بتنذر، وذكرى: يحتمل أن تكون معطوفة على {لتنذر}، وامتنع نصبه على المفعولية لأجله لاختلاف زمنه مع زمن المعلل، ولاختلاف الفاعل، ففاعل الإنزال هو اللّه، وفاعل الإنذار هو النبي، ويجوز عطفه على محل {لتنذر}، على غرار عطف الحال الصريحة على الحال المؤوّلة، كقوله تعالى: {... دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما}، ويجوز رفع {ذكرى} على أنها خبر لمبتدأ محذوف أو العطف على {كتاب}، وقد سها أبو البقاء فأجاز أن تكون حالا، وهذا لا يجوز لدخول الواو على حال صريحة. ويجوز جره عطفا على المصدر المؤول من أن المقدرة والفعل، والتقدير: للإنزال والتذكير.
وقال الكوفيون: هو مجرور عطفا على الضمير في {به}، وللمؤمنين جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لذكرى {اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} كلام مستأنف مسوق لمخاطبة المكلفين عامة، وخاصة الكافرين، بدليل قوله: {ولا تتبعوا من دونه أولياء}. واتبعوا فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعل، وما اسم موصول في محل نصب مفعول به، وجملة أنزل صلة الموصول، وإليكم جار ومجرور متعلقان بأنزل، ومن ربكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من الموصول {وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ} الواو عاطفة، ولا ناهية، وتتبعوا فعل مضارع مجزوم بلا، ومن دونه جار ومجرور متعلقان بتتبعوا، أو بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لأولياء وتقدمت، وأولياء مفعول به، وقليلا نعت لمصدر محذوف، أي تذكرا قليلا، أو نعت لزمان، أي زمانا قليلا، وما مزيدة للإيغال في التوكيد للقلة، وتذكرون: أصله تتذكرون، فعل مضارع حذفت إحدى تاءيه، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعل.

.[سورة الأعراف: الآيات 4- 7]

{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتًا أَوْ هُمْ قائِلُونَ (4) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (5) فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (7)}.

.اللغة:

{بَياتًا} أي: ليلا، وهو في الأصل مصدر، يقال: بات يبيت ويبات بيتا وبيتة وبياتا وبيتوتة ومبيتا ومباتا من بابي فتح وجلس في المكان: أقام فيه الليل.
{قائِلُونَ} نائمون وقت الظهيرة، والقيلولة هي نوم نصف النهار أو استراحة نصفه، وإن لم يكن معها نوم. وهذا مقيل طيب، وهو شروب للقيل، وهو شراب القائلة: وهي نصف النهار. وقالت أمّ تأبّط شرّا: ما سقيته غيلا، ولا حرمته قيلا، وهي رضعة نصف النهار. واقتال الرجل كما تقول: اصطبح واغتبق.

.الإعراب:

{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتًا أَوْ هُمْ قائِلُونَ} الواو استئنافية، والجملة مستأنفة مسوقة للتحدث عن الأمم الماضية، وماذا كان مصيرها؟ بسبب إعراضها عن الحق وصدوفها عن استماع تعاليمه.
وكم خبرية في موضع رفع على الابتداء، ومن قرية تمييز كم الخبرية، وقد تقدّم حكمه، وجملة أهلكناها خبر كم. ويجوز إعراب كم على أنها في موضع نصب على الاشتغال بإضمار فعل يفسره ما بعده، وجملة أهلكناها لا محل لها لأنها مفسرة، والفاء عاطفة للترتيب والتعقيب، وسيأتي بحث طريف عنها في باب الفوائد، وجاءها بأسنا فعل ومفعول به وفاعل، والجملة معطوفة على أهلكناها، وبياتا يجوز أن يكون ظرفا باعتبار المعنى، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال، بمعنى بائتين، وعليه أكثر المعربين، والأول أمكن في المعنى، والثاني أقيس في الإعراب. وأو حرف عطف، وهم مبتدأ، وقائلون خبر، والجملة معطوفة على {بياتا}، فهي حالية. وهنا يرد اعتراض وهو: كيف أتت الجملة حالية من دون واو؟ إذ لا يقال: جاءني زيد هو فارس، بغير واو؟ والجواب سيأتي في باب الفوائد {فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا} الفاء استئنافية، وما نافية، وكان واسمها، وإذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بدعواهم، وجملة جاءهم بأسنا في محل جر بالإضافة {إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ} إلا أداة حصر، وأن وما بعدها في تأويل مصدر كان، وإن واسمها، وجملة كنا ظالمين خبر إن، وجملة إنا وما في حيزها في محل نصب مقول القول: {فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} الفاء عاطفة، والمقصود منها ترتيب الأحوال الأخروية على الأحوال الدنيوية في الذكر حسب ترتيبها عليها في الوجود. واللام موطّئة للقسم، ونسألن فعل مضارع مبني على الفتح لاقترانه بنون التوكيد الثقيلة وجوبا، كما ستعلم في باب الفوائد، والفاعل مستتر تقديره نحن وجملة لنسألنّ معطوفة والذين اسم موصول في محل نصب مفعول به، وجملة أرسل صلة الموصول، وهو بالبناء للمجهول، ونائب الفاعل الجار والمجرور وهو إليهم، ولنسألن المرسلين عطف على ما تقدم.
ومعنى سؤل المرسل إليهم التسجيل على الكفار إحجامهم عن الاستماع لما قالوه لهم وأبلغوهم إياه {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ} عطف على ما تقدم، وعليهم جار ومجرور متعلقان بنقصنّ، أي: على كل من الرسل والمرسل إليهم ما كان من أمرهم، وبعلم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من فاعل نقصنّ، أي: عالمين بمكنونات أحوالهم، ومنطويات سرائرهم، وما ندّت عنه شفاههم. والواو للحال، وما نافية، وكان واسمها، وغائبين خبرها، والجملة في محل نصب على الحال. وجميع هذه الأسئلة والقصص للتوبيخ والتقريع كما يفعل المحقق مع المجرم لإدانته بما فعلته يداه أمامه.

.البلاغة:

المجاز المرسل بقوله: {وكم من قرية أهلكناها} فقد ذكر القرية وأراد أهلها، وهو مجاز علاقته المحلية. وقد تقدمت له نظائر.

.الفوائد:

واو الحال:
هي واو يصحّ وقوع الظرف موقعها، ولها ثلاث أحوال: وجوب الذكر وامتناعه وجوازه. وفيما يلي مواقع تلك الأحوال:
1- وجوب الذّكر:
آ- أن تكون جملة الحال اسمية مجردة من ضمير يربطها بصاحبها، نحو قوله تعالى: {لئن أكله الذئب ونحن عصبة}.
ب- أن تكون جملة الحال مصدرة بضمير صاحبها، نحو: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى}.
2- امتناع الذكر في سبع صور:
آ- أن تقع بعد عاطف نحو: {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون}.
ب- أن تكون مؤكدة لمضمون الجملة قبلها نحو: {ذلك الكتاب لا ريب فيه} إذا أعربنا جملة {لا ريب} حالية.
ج- أن تكون ماضية بعد إلا نحو: {وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون}.
د- أن تكون ماضية قبل أو نحو:
كن للخليل نصيرا جارا أو عدلا ** ولا تشحّ عليه جار أم بخلا

ه- أن تكون مضارعة مثبتة غير مقترنة ب قد، وحينئذ تربط بالضمير وحده، نحو: {ولا تمنن تستكثر}. وأما قول عنترة:
علقتها عرضا وأقتل قومها ** قسما لعمر أبيك ليس بمزعم

فجملة: وأقتل قومها حال من التاء في علقتها، وهي مقترنة بالواو مع المضارع المثبت، واختلف في تخريجها، فقيل: ضرورة، وقيل: الواو عاطفة، والمضارع مؤوّل بالماضي، والتقدير: وقتلت قومها، فعدل عن لفظ الماضي إلى لفظ المضارع لحكاية الحال الماضية، ومعناها أن يفرض ما كان في الزمن الماضي واقعا في هذا الزمان، فيعبر عنه بلفظ المضارع. وقيل: هي واو الحال، والمضارع خبر مبتدأ محذوف، أي: وأنا أقتل قومها.
و- أن تكون مضارعة منفية ب ما، نحو قوله:
عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة ** فما لك بعد الشّيب صبّا متيّما

ز- أن تكون مضارعة منفية ب لا نحو: {وما لنا لا نؤمن باللّه}، فإن كانت الجملة المضارعة منفية ب لم جاز ارتباطها بالواو كقول النابغة:
سقط النّصيف ولم ترد إسقاطه ** فتناولته واتّقتنا باليد

وجاز عدم ارتباطها بها، ولكن بالضمير وحده، نحو: {فانقلبوا بنعمة من اللّه وفضل لم يمسسهم سوء}، وقول زهير:
كأنّ فتات العهن في كلّ موطن ** نزلن به حبّ الفنا لم يحطّم

وإن كانت منفية ب لما فالمختار ربطها بالواو نحو: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم اللّه الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}، وقول الشاعر:
أشوقا ولما يمض لي غير ليلة ** فكيف إذا جدّ المطيّ بنا عشرا

3- جواز الذكر وعدمه:
وذلك في غير ما تقدم من صور وجوبها وامتناعها. وهناك تفاصيل أعرضنا عنها، يرجع إليها من شاء في كتب النحو المفصلة.
إذا عرفت هذا أدركت أن اعتراض الزمخشري غير وارد، وإليك التفصيل.